الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويجوز في غير القرآن باللتين، واللاتي، وباللواتي، وبالذي للأولاد خاصة، أي: لا تزيدكم الأموال عندنا درجة ورفعة، ولا تقربكم تقريبًا {إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} هو استثناء منقطع، فيكون محله النصب، أي: لكن من آمن، وعمل صالحًا، أو في محل جرّ بدلًا من الضمير في تقرّبكم، كذا قال الزجاج.قال النحاس: وهذا القول غلط، لأن الكاف والميم للمخاطب، فلا يجوز البدل، ولو جاز هذا لجاز رأيتك زيدًا.ويجاب عنه بأن الأخفش والكوفيين يجوّزون ذلك، وقد قال بمثل قول الزجاج الفراء، وأجاز الفراء: أن يكون في موضع رفع بمعنى: ما هو إلاّ من آمن، والإشارة بقوله: {فَأُوْلَئِكَ} إلى من، والجمع باعتبار معناها، وهو مبتدأ، وخبره {لَهُمْ جَزَاء الضعف} أي: جزاء الزيادة، وهي المرادة بقوله: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: جزاء التضعيف للحسنات.وقيل: لهم جزاء الإضعاف؛ لأن الضعف في معنى الجمع، والباء في {بِمَا عَمِلُواْ} للسببية {وَهُمْ في الغرفات ءامِنُونَ} من جميع ما يكرهون، والمراد غرفات الجنة، قرأ الجمهور: {جزاء الضعف} بالإضافة، وقرأ الزهري، ويعقوب، ونصر بن عاصم، وقتادة برفعهما على أن الضعف بدل من جزاء.وروي عن يعقوب: أنه قرأ: {جزاء} بالنصب منونًا، و: {الضعف} بالرفع على تقدير: فأولئك لهم الضعف جزاء، أي: حال كونه جزاء.وقرأ الجمهور: {في الغرفات} بالجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: {لَنُبَوّئَنَّهُمْ مّنَ الجنة غُرَفًَا} [العنكبوت: 58].وقرأ الأعمش، ويحيى بن وثاب، وحمزة، وخلف: {في الغرفة} بالإفراد لقوله: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغرفة} [الفرقان: 75] ولما ذكر سبحانه حال المؤمنين ذكر حال الكافرين، فقال: {والذين يَسْعَوْنَ في ءاياتنا} بالردّ لها، والطعن فيها حال كونهم {معاجزين} مسابقين لنا زاعمين أنهم يفوتوننا بأنفسهم، أو معاندين لنا بكفرهم {أُوْلَئِكَ في العذاب مُحْضَرُونَ} أي: في عذاب جهنم تحضرهم الزبانية إليها لا يجدون عنها محيصًا.ثم كرّر سبحانه ما تقدّم لقصد التأكيد للحجة، والدفع لما قاله الكفرة، فقال: {قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} أي: يوسعه لمن يشاء، ويضيقه على من يشاء، وليس في ذلك دلالة على سعادة، ولا شقاوة {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ} أي: يخلفه عليكم، يقال: أخلف له، وأخلف عليه: إذا أعطاه عوضه، وبدله، وذلك البدل إما في الدنيا، وإما في الآخرة {وَهُوَ خَيْرُ الرزقين} فإن رزق العباد لبعضهم البعض إنما هو بتيسير الله، وتقديره، وليسوا برازقين على الحقيقة بل على طريق المجاز، كما يقال: في الرجل إنه يرزق عياله، وفي الأمير إنه يرزق جنده، والرازق للأمير، والمأمور، والكبير، والصغير هو: الخالق لهم، ومن أخرج من العباد إلى غيره شيئًا مما رزقه الله، فهو إنما تصرّف في رزق الله له، فاستحق بما خرج منه الثواب عليه المضاعف لامتثاله لأمر الله، وإنفاقه فيما أمره الله. {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} الظرف منصوب بفعل مقدّر نحو اذكر، أو هو متصل بقوله: {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ} [سبأ: 31] أي: ولو تراهم أيضًا يوم نحشرهم جميعًا للحساب العابد، والمعبود، والمستكبر، والمستضعف، {ثُمَّ نَقُولُ للملائكة أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} تقريعًا للمشركين، وتوبيخًا لمن عبد غير الله عزّ وجلّ كما في قوله لعيسى: {ءأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله} [المائدة: 116]، وإنما خصص الملائكة بالذكر مع أن بعض الكفار قد عبد غيرهم من الشياطين، والأصنام؛ لأنهم أشرف معبودات المشركين.قال النحاس: والمعنى: أن الملائكة إذا أكذبتهم كان في ذلك تبكيت للمشركين، وجملة {قَالُواْ سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، أي: تنزيهًا لك أنت الذي نتولاه، ونطيعه، ونعبده من دونهم، ما اتخذناهم عابدين، ولا توليناهم، وليس لنا غيرك وليًا، ثم صرّحوا بما كان المشركون يعبدونه، فقالوا: {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} أي: الشياطين، وهم: إبليس، وجنوده، ويزعمون: أنهم يرونهم، وأنهم ملائكة، وأنهم بنات الله.وقيل: كانوا يدخلون أجواف الأصنام، ويخاطبونهم منها {أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} أي: أكثر المشركين بالجنّ مؤمنون بهم مصدّقون لهم.قيل: والأكثر في معنى: الكلّ. {فاليوم لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلاَ ضَرًّا} يعني: العابدين، والمعبودين لا يملك بعضهم، وهم: المعبودون لبعض، وهم: العابدون {نَفْعًا} أي: شفاعة، ونجاة {وَلاَ ضَرّا} أي: عذابًا، وهلاكًا، وإنما قيل لهم: هذا القول إظهارًا لعجزهم، وقصورهم، وتبكيتًا لعابديهم، وقولهم: {وَلاَ ضَرّا} هو على حذف مضاف، أي: لا يملكون لهم دفع ضرّ، وقوله: {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} عطف على قوله: {نَّقُولُ للملائكة} أي: للذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله {ذُوقُواْ عَذَابَ النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} في الدنيا.وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال: كان رجلان شريكين، خرج أحدهما إلى الساحل، وبقي الآخر، فلما بعث الله النبيّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلاّ رذالة الناس ومساكينهم، فترك تجارته، ثم أتى صاحبه، فقال: دلني عليه، وكان يقرأ الكتب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إلى ما تدعو؟ قال: إلى كذا، وكذا، قال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما علمك بذلك؟ قال: إنه لم يبعث نبيّ إلاّ اتبعه رذالة الناس، ومساكينهم، فنزلت هذه الآيات {وَمَا أَرْسَلْنَا في قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا} الآيات، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أنزل تصديق ما قلت». وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {جَزَاء الضعف} قال: تضعيف الحسنة.وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال: إذا كان الرجل غنيًا تقيًا آتاه الله أجره مرتين، وتلا هذه الآية {وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم} إلى قوله: {فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضعف} قال: تضعيف الحسنة.وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب المفرد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ} قال: في غير إسراف، ولا تقتير، وعن مجاهد مثله.وعن الحسن مثله.وأخرج الدارقطني، والبيهقي في الشعب عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلما أنفق العبد من نفقة، فعلى الله خلفها ضامنًا إلاّ نفقة في بيان، أو معصية». وأخرج نحوه ابن عدي في الكامل، والبيهقي من وجه آخر عنه مرفوعًا بأطول منه.وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عزّ وجلّ: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك» وثبت في الصحيح من حديثه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ وملكان ينزلان؛ فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا». وأخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكل يوم نحسًا، فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة» ثم قال: اقرءوا مواضع الخلف، فإني سمعت رسول الله يقول: «وما أنفقتم من شيء، فهو يخلفه إذا لم تنفقوا كيف يخلف». وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المعونة تنزل من السماء على قدر المئونة». اهـ.
|